التفسير النفسي أهمية كبيرة لا تقل أهمية عن التفسير البيولوجي ليس فقط في مجال تفسير السلوك الإجرامي، وإنما في تفسير السلوك الإنساني بصفة عامة فهذا التفسير بشكل عام يسعى إلى تفسير التصرفات الخارجية للإنسان في علاقاته مع الغير على ضوء مختلف جوانب تكوينه النفسي، أما فحوى الاتجاه النفسي في التفسير العلمي لظاهرة الجريمة فيقصد به البحث عن عوامل الجريمة في شخصية المجرم، وذلك بتحليل شخصيته تحليلا كاملا، لاسيما من حيث العوامل الاجتماعية والاضطرابات العاطفية والعلل والأمراض النفسية والتي يعتبر تحققها نتيجة للتفاعل الاجتماعي أكثر ما هو نتيجة لعوامل الوراثة الطبيعية والحق أن هناك تفسيرات عديدة لصلة التكوين النفسي للفرد بسلوكه الخارجي عموما وبسلوكه الإجرامي على وجه الخصوص. ويتضمن الاتجاه النفسي العديد من النظريات التي حاولت إعطاء تفسير للسلوك الإجرامي.
سنحاول
دراسة تفسير النفسي للسلوك الإجرامي من خلال نظرية سيجموند فروید
سيجموند فروید
سیجموند
فرويد
Sigmund Freud )1856- 1939( نمساوي الأصل، عالم وطبيب متخصص في علم الأعصاب و مؤس س مدرسة
التحليل النفسي والأب الروحي إن صح التعبير لعلم النفس الحديث، حيث حاول هذا
العالم تشريح النفس الإنسانية عن طريق التحليل والدخول إلى عالمها لكشف أسرارها
مثلما يقوم الجراح بتشريح الجسد الإنساني لمعرفة ما أصابه من مرض.
من
أهم مؤلفاته نذكر: مؤلفه "الميكانزيم السيكولوجي ل لظواهر الهستيرية"
وهو مؤلفه الأول الذي نشره سنه 1893، و "مدخل إلى التحليل النفسي"
و"نظرية الأحلام و "النظرية العامة للأمراض العصابية" و
"محاضرات جديدة في التحليل النفسي" و"أفكار لأزمنة الحرب
والموت" و"القلق والذات والغرائز "والاضطراب النفسي في الحياة
اليومية"، و"عسر الحضارة".
مضمون نظرية فرويد
تقوم
نظرية سيجمون فرويد أساسا على التقسيم الثلاثي للنفس الإنسانية والذي ربطه فروید
بوظائفها، وذلك على النحو التالي:
.1الذات ( ld ) الذات أو هو ( Id ويقصد بها النفس ذات الشهوة أو الذات
الدنيا وهي مستودع الميول الفطرية والاستعدادات الموروثة و مستقر الشهوات، ومركز
الاهتمام لدى هذه النفس هو الانسياق أو الانحراف وراء اللذة وإشباع الشهوات حيث
أنها مستقرة الشهوات، دون أن تبالي بقيم المجتمع أو تقيم وزنا لقواعد المنطق.
2. ال أنا ( Ego )، إال أنا ( Ego ) الذات وهي الشعورية أو الحسية أو
العقل، ومعناها مجموعة الملكات العقلية المستمدة من رغبات النفس، وهي تمثل النفس
العاقلة التي مهمتها ترويض الذات وكبح جماحها وحملها على التعبير عن نزعاتها بشكل
مقبول يتفق مع مقتضيات البيئة. فوظيفة الذات الشعورية هي محاولة إقامة نوع من
التوازن والتوافق بين النزعة الفطرية الغريزية وبين العادات والقيم و التقاليد
السائدة في المجتمع.
3. وال أنا العليا Super( )ego فيقصد بها الذات المتالية )الضمير(،
وهي تمثل النيل والطهر والمثل العليا، وكل ما هو طيب في الإنسان، كما تشمل الأنا
العليا جميع المثل والقيم والتقاليد والعادات الموروثة وكل ما خلفته الأجيال
السابقة من هذه القيم والتقاليد وما أرسلته الأجيال الحاضرة من قيم وتقاليد
وأخلاق. كما تعتبر الأنا العليا مصدر الردع الحقيقي للذات الدنيا، إذ أن الأنا
العليا تراقب الأنا الدنيا وتحاسبها عن أي تقصير في أداء مهمتها، بحيث تقوم بتوجيه
النقد إلى الأنا الدنيا وتؤبها إذا ما سمحت بتغليب الشهوات والغرائز على مقتضيات
الحياة الاجتماعية، فالانا العليا وفقا لقول العالم فرويد هي أشياء بما يسمى بصوت الضمير.
نتائج نظرية فرويد
وعلى
ضوء هذا التقسيم فإن فرويد يرى أن السلوك الفردي يتوقف على مدى العلاقة بين
الأقسام الثلاثة السابقة للنفس الإنسانية. فإن تغلبت الشهوات والميول الفطرية
)النفس ذات الشهوة(، فإن السلوك يكون منحرفا وتكون شخصية صاحبه غير ناضجة، أما إذا
تغلبت المثل والقيم الموروثة وتحكم الضمير والعقل )الأنا العليا( كان السلوك قوما
وكانت شخصية صاحبة ناضجة، أما إذا تغلبت المثل والقيم الموروثة وتحكم الضمير
والعقل )الأنا العليا( كان السلوك قويما وكانت شخصية صاحبه ناضجة.
وقد
قسم فرويد الذات الشعورية أو العقل (الأنا)، إلى ثلاثة مراتب
1. الشعور:
وقد اصطلح على تسميته كذلك بالعقل الظاهر ويعتبر الشعور أو العقل الظاهر وسيلة
الوعي والإحساس والإدراك المباشر.
2. ما قبل الشعور: ويطلق عليه أيضا بالعقل
الكامن فيقصد به مجموعة الأفكار والخواطر والنزعات والذكريات القابلة لاستظهار
بحيث يمكن للفرد أن يسترجعها ويتذكرها كلما اراد.
3. اللاشعور : وسمي كذلك بالعقل الباطن
فيضمن مجموعة الأفكار والخواطر التي ليس في وسع الفرد أن يسترجعها أو يوقظها إلا
في حالات شاذة كحلم أو نوبة حمي أو عن طريق التحليل النفسي أو التنويم المغناطيسي.
وتجدر
الإشارة أن فرويد أدمج من الناحية العملية مرتبة ما قبل الشعور في مرتبة الشعور،
وبالتالي أصبحت مراتب الذات الشعورية أو العقل مرتبتين فقط: الشعور واللاشعور أو العقل الظاهر
والعقل الباطن.
ويذهب
فرويد إلى القول بأن سبب إدماج ما قبل الشعور في الشعور يرجع إلى افتراض وجود قوة
خفية من شأنها صد بعض الذكريات والخواطر والنزعات عن الظهور في منطقة الشعور إما
لكونها ضد التقاليد والعادات وغير ذلك من القيم السائدة في المجتمع، أو لكوها من
الأفكار والذكريات التي لا يقوى الشعور على تحمل ما يصحبها من آلام شديدة. وأطلق
فرويد على هذه القوة اسم "الكبت Repression ". ويرى فرويد تبعا لذلك أن ملكات اللاشعور أو
العقل الباطن تبلغ درجة من القوة وشدة التأثير في النفس الإنسانية تفوق الملكات
الشعورية. فالعقل الباطن بطبيعته يشتمل على أقوى مظاهر الحركة الفكرية والنشاط النفساني، وله تأثير على
الأفكار والمشاعر والوجدان والسلوك الشعوري .
والسبب
في ذلك يرجع إلى أن اللاشعور يحتوي على ذكريات الطفولة، وذكريات الحوادث النفسية
المكبوثة، فضلا عن النزعات والاستعدادات والميول القطرية الموروثة. ومن شأن هذا
كله ان يؤثر على الشخصية وان يتكيف وفقا لها السلوك الصادر عن تلك الشخصية.

إرسال تعليق