لا
ينظر إلى الخطأ من ناحية وجود العمد أو عدم وجوده فقط، وإنما ينظر إلى درجاته أيضا
عند تقدير المسؤولية في تحديد نطاقها، وفي ذلك إما أن يكون الخطأ جسيما أو يسيرا،
وإن كان الفقه قد حدد درجات الخطأ منذ عهد الرومان في ثلاثة :خطأ جسيم، وخطأ يسير
، وخطأ تافه
الخطأ الجسيم
ظهرت
فكرة الخطأ الجسيم في أواخر عهد القانون الروماني، وكان يقصد بها الخطأ الذي لا
يرتكبه الشخص قليل الذكاء والعناية، وكان الرومان يعطون الخطأ الجسيم حكم الغش
لصعوبة إثبات الغش وللحيلولة دون أن يتظاهر مرتكب الغش بمظهر الغباء، تخلص من جزاء الغش.
وقد
انتقلت هذه الفكرة إلى القانون الفرنسي القديم حيث كانت لها منزلتها في نظرية تدرج
الخطأ، التي تقدم أن تقنين نابليون قد مضى عليها، واستبعدها استبعادا تاما.
وقد
عرف البعض الخطأ الجسيم بأنه : " عدم
بذل عناية بشؤون الغير بصورة لا تصدر من أقل الناس حرصا لشؤونهم الخاصة "،
ويصف البعض الآخر الخطأ الجسيم بأنه : ترك الاحتياط عن دفع ضرر متوقع .
والخطأ
الجسيم يختلف اختلافا واضحا عن الخطأ العمدي، والفارق بينهما فارق ذهني، وهو توافر
سوء النية في العمد، وعدم توافره في الخطأ الجسيم وإن كان البعض يرى بأن الخطأ
الجسيم يلحق بالخطأ العمدي في كثير من أحكامه الخاصة، فالخطأ الجسيم كالعمد من حيث
عدم جواز الإعفاء من المسؤولية العقدية وكذا من حيث أنه يؤدي إلى التزام المتعاقد
بالتعويض عن الضرر المتوقع وغير المتوقع، ومن ناحية أخرى فقد ربط القانون قيام
المسؤولية عن التعويض في بعض الصور بتوافر خطأ جسيم من المسؤول.
الخطأ اليسير
الخطأ
اليسير هو الذي لا يرتكبه شخص عادي من أواسط الناس ليس أكثرهم حرصا أو إهمالا، وهو
الشخص الذي تعينه المادة 1137 من القانون الفرنسي في عبارتها le bon père de famille ، معيارا عاما مجردا، ثم
تحدد من مدى العناية التي توجب على المدين أن يبذلها في الالتزام بوسيلة الذي تعين
على القاضي أن يجري المقارنة، بمسلك الرجل العادي في حرصه ويقظته ، أما إذا كان
التزاما بغاية أي بنتيجة، فإن عدم وفاء المدين بما التزم من عمل محدد لا يرجع فيه
إلى بحث سلوكه إذ تتحقق مسؤوليته بعدم الوفاء ولا يعف منها إلا إذا أثبت هو أن عدم
الوفاء كان لسبب أجنبي .
ويستوي
الخطأ الجسيم مع الخطأ اليسير من حيث استتباع المسؤولية، وإن كان القضاء هنا كما
في حالتي الجرم وشبه الجرم يميل من الناحية العملية إلى زيادة التعويض في حالة
الخطأ الجسيم عنه في حالة الخطأ اليسير ولاسيما أن المشرع المغربي أوصى القاضي
عندما يجنح إلى تقدير التعويض أن يراعي في ذلك ما إذا كان المسؤول ارتكب خطأ عاديا
أم تدليسيا ( الفقرة الثانية من الفصل 98 من ق ل ع ).
الخطأ التافه
وهو
ذلك الخطأ الذي يقع بالقدر الطفيف من الإهمال وعدم الانتباه، ولا يقيم الرجل
الحريص، وبهذا الخطأ تتوفر المسؤولية مادام قد ترتب عليه ضرر بالغير، إذ أن
القانون لم يعلق قيام المسؤولية على درجة معينة من الخطأ
ويرى
البعض أن الخطأ التافه هو الذي يقع بالقدر الطفيف من الإهمال وعدم الانتباه ولا
يقترفه الرجل الحريص ،بيد أن المغايرة بين عناية الشخص المعتاد و الرجل الحريص
إنما هي مغايرة نظرية لا تتسم بوجود فواصل
قانونية دقيقة، على أساسها يمكن التميز بين عناية الرجل المعتاد وعناية الرجل
الحريص، خاصة وأن القانون وعلى ما يقضي به من ترتيب المسؤولية دون التعليق على
درجة معينة من الخطأ، بل إن أي قدر منه يكفي لقيام المسؤولية متى نتج عنه ضرر
بالغير، لذلك ينبغي حسم مشكلة التعدد أو تدرج وصول الأخطاء – في المسؤولية
التقصيرية – بالتركيز على مضمون الالتزام ذاته وعدم افتراض سوء النية.

إرسال تعليق